المقالات

تحوّل الإعلامي إلى مشجع .. أزمة مهنية في الرياضة السعودية

شهدت الرياضة السعودية خلال السنوات الأخيرة تطور ونهضة كبيرة على كافة المستويات، سواء من حيث الاستثمارات أو التنافسية أو المتابعة الجماهيرية من الداخل والخارج، هذا التحوّل الإيجابي انعكس أيضًا على المشهد الإعلامي، لكنه في المقابل كشف عن ظاهرة تستحق الوقوف عندها وهي تحوّل عدد من الإعلاميين الرياضيين إلى “مشجعين”، في مشهد يبتعد كثيرًا عن المهنية الصحفية وأخلاقياتها.

من الطبيعي أن يكون للإعلامي ميول رياضية فالميول لا تلغي الحياد، لكن المشكلة هو عندما تتحوّل هذه الميول إلى انحياز علني، وتحول الصحفي إلى مدافع عن نادٍ معين أو مهاجمة نادٍ آخر، وهو ما يتعارض مع الدور الحقيقي للإعلامي كمراقب ومحلل وناقل للحقيقة دون تزييف ومطور كذلك للرياضة، في الوقت الحالي المشاهد والمتابع لم يعد يميّز بين الإعلامي والمشجع.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحنا نشاهد غيابًا تامًا للإعلاميين والصحفيين في كثير من المباريات، خصوصًا في المباريات غير الجماهيرية، وهذه ظاهرة سلبية تسيء لسمعة الدوري السعودي. هناك الكثير من القصص والمواقف والتصاريح التي لم تظهر للساحة، فقط لأن الصحافة لم تكن حاضرة لتوثيقها أو نقلها وهذا الغياب لا يؤثر فقط على مستوى التغطية، بل يفتح الباب أيضًا لنشر المعلومات المغلوطة من مصادر غير موثوقة.

هل لك أن تتخيل أن مباريات المنتخب السعودي خارج المملكة لا يحضرها سوى صحفيين اثنين أو ثلاثة فقط؟ في المقابل، عندما لعب منتخب اليابان في جدة، شاهدنا حضور أكثر من 25 صحفي وإعلامي ياباني جاؤوا خصيصًا لمرافقة منتخب بلادهم. هذا الفارق يعكس مستوى الاهتمام والاحترافية في التغطية، ويطرح تساؤلًا مهمًا: هل فقدنا الحماس لمرافقة منتخب الوطن؟ أم أن الصحافة باتت تلاحق الأندية فقط دون النظر إلى واجبها الوطني في تغطية المنتخبات؟ غياب الإعلام عن هذه المناسبات لا يسيء فقط للمنتخب، بل يضعف أيضًا حضورنا الإعلامي الخارجي.

وفي مشاهد أخرى لا تقل سلبية، أصبح بعض من يُطلق عليهم “إعلاميين” أو “صحفيين” يتحوّلون إلى جامعي تواقيع اللاعبين، فتجد حضورهم للمباريات ليس لتأدية واجبهم المهني، بل بهدف واحد فقط: الحصول على توقيع أو قميص من أحد اللاعبين. وهذه الممارسات تضع علامة استفهام كبيرة حول هوية الإعلامي ودوره الحقيقي، وتسيء إلى صورة الإعلام الرياضي.

ورغم هذا الواقع، لا يمكن إنكار وجود نماذج إعلامية سعودية محترفة تحافظ على الحياد والطرح الواعي، وتنتقد بحيادية، وتشجع الإنجاز دون النظر إلى لونه أو شعاره وتبحث عن مصلحة الكرة السعودية. هؤلاء يستحقون الإشادة لأنهم يثبتون أن المهنية لا تعني البرود، بل تعني التوازن والعدالة والموضوعية.

في الختام، ما يحدث في المشهد الإعلامي الرياضي السعودي لم يعد مجرد تجاوزات فردية، بل تحول إلى نمط متكرر يُهدد بفقدان المهنية والمصداقية في هذه المنظومة، فالإعلامي الذي يُفترض أن يكون عين المتابع وصوت الحقيقة، بات في كثير من الأحيان طرفًا في الفوضى أو متفرغًا لملاحقة التواقيع وقمصان اللاعبين. استعادة هيبة الإعلام تبدأ من الداخل، من وعي كل إعلامي بدوره الحقيقي ومن مؤسسات قادرة على فرز المهني من الهاوي، والجدي من الباحث عن الأضواء. مستقبل رياضتنا لا يتوقف عند حدود الملاعب، بل يعتمد أيضًا على من ينقل صورتها للعالم، ومتى اختلت هذه الصورة، اختل كل ما حولها.

عبدالعزيز خالد الدخيل
طالب ماجستير تنفيذي بقسم الإدارة الرياضية والترويحية
جامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى