اخبارالكرة العالمية

جورج بيست: العبقري المتمرد الذي هزّ عالم الكرة

في عام 1969، وعندما لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره، قرر جورج بيست أن يختبر تبسيط حياته: كرة القدم فقط. تخلى مؤقتًا عن عاداتٍ أخرى كانت تلازمه، من شرب ومغامرات عاطفية، ووصف تلك اللحظة بأنها “أسوأ 20 دقيقة في حياته”، ما يعكس تناقضًا واضحًا بين شغفه بالمهنة ونمط حياته المندفع.

حياة مزدوجة

بيست كان في ذروة عطائه عام 1969. قبل ذلك بعامٍ واحد قاد مانشستر يونايتد إلى نجاح تاريخي في كأس أوروبا، وتوّج هدّافًا في إنجلترا وحصل على جائزة الكرة الذهبية. على أرض الملعب تميز بتمريرات ساحرة وأهداف لا تُنسى، لكنه خارجها اشتهر بالحفلات والسهرات والعلاقات المتعددة.

أسلوبه المزدوج -نجم متألق نهارًا ومحب للحياة ليلًا- جعل من بيست ظاهرة فريدة في عالم الرياضة، لكنه في الوقت نفسه بذر بذور تدهور مساره المهني الذي بدأ يظهر مبكرًا بعد تحقيقه الألقاب الكبرى.

من بلفاست إلى أولد ترافورد

ولد جورج بيست في بلفاست عام 1946 ونشأ في بيئة طبقية عاملة، حتى لاحظه الكشاف بوب بيشوب في سن الخامسة عشرة، وكتب لمات باسبي مدير مانشستر يونايتد: “أعتقد أنني وجدت عبقريًا”. انضم بيست إلى صفوف النادي وظهر لأول مرة مع الفريق الأول عام 1963 بعمر سبعة عشر عامًا، وهناك شكّل مع دينيس لو وبوبي تشارلتون ثالوثًا هجوميًا لا يُضاهى.

فاز مانشستر يونايتد بالدوري أعوام 1965 و1967، ثم تُوّج بطلاً لأوروبا عام 1968 بعد عشرة أعوام من مأساة ميونيخ، وسجّل بيست هدفًا حاسمًا في الوقت الإضافي بالمباراة النهائية أمام بنفيكا، ليؤكد مكانته كأحد أعمدة فريق بوسبي.

سحر نجومية وسقوط مبكر

بجانب موهبته على الملعب، كان بيست رمزًا لثورة ثقافية: شعر طويل، أسلوب حياة متمرد، وشهرة عالمية جعلته أحد أوائل مشاهير كرة القدم. أمثال تصريحاته المرحة عن التوازن بين تسجيل هدف بعيد واللحظات الشخصية، أو قولةِه الشهيرة عن إنفاق المال على “الكحول والنساء والسيارات السريعة”، جسدت صورته أمام الجمهور.

لكن المسار المهني لبيست انحرف سريعًا عندما أصبحت الحياة الليلية أولويته. ظهوره في التدريبات وهو في حالة سُكر تكرّر، ما دفع المدرب تومي دوشرتي لإيقافه عام 1972. وبعد عامين لعب مباراته الأخيرة مع مانشستر يونايتد، ثم تابع مشواره بين أندية الدرجة الدنيا في إنجلترا والولايات المتحدة، بينما تزايد تركيزه على حياته الشخصية بعيدًا عن الاستقرار الرياضي.

الإدمان على القمار والكحول أدى إلى مشكلات مالية وصحية، وفشل زواجه، وانهيار مشاريعٍ تجارية كان لها نصيب من إخفاقه. رغم إجراءه زرع كبد عام 2002، استمر في المعاناة إلى أن توفي عام 2005 عن عمر 57 عامًا إثر فشل أعضاء متعددة.

حضر نحو مئة ألف شخص جنازته في بلفاست، وألقى آنذاك عدد من الشخصيات كلمات تأبينية ولا تزال مقارنات الجمهور بينه وبين أساطير مثل مارادونا وبيليه تذکر بمكانته الخاصة: “مارادونا جيد، بيليه أفضل، جورج بيست في مكانة أخرى”.

إرث بيست يبقى معقدًا: لاعبٌ موهوب بمقاييس نادرة، وشخصيةٌ متمردة كلفته الكثير خارج المستطيل الأخضر، لكنه يظل رمزًا من رموز كرة القدم التي أثرت في ثقافة اللعبة وشكلت فصلاً لا يُمحى من تاريخها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى