صيف 2002: كيف أعاد المونديال تعريف الكرة الأمريكية
وصل منتخب الولايات المتحدة إلى ربع نهائي كأس العالم 2002 في كوريا واليابان، وهو الإنجاز الأفضل في تاريخه حتى الآن. بقي ذلك الصيف علامة فارقة شكلت معيار النجاح للمنتخب الأمريكي على مدار العقدين التاليين.
تهيئة المسرح
قبل 2002، كانت كرة القدم في الولايات المتحدة تمر بمرحلة انتقالية بدأت فعلياً مع مونديال 1990 وازدهرت نسبياً على أرضها في 1994. رغم خيبات 1998، عمل بروس أرينا على إعادة البناء خلال مشوار التصفيات، مستخدماً تشكيلة واسعة من اللاعبين وضاغطاً على الأداء الجماعي. تأهل المنتخب بصعوبة عقب نتائج متقلبة في التصفيات، لكن الانتصار على جامايكا والتعادل الحاسم مع ترينيداد وتوباغو مكّناهم من بلوغ النهائيات.
دخل الجيل الآسيوي متحمساً لكنه لا يزال في طور النضج، ومع ذلك برزت أسماء جديدة مثل لاندون دونوفان وديماركوس بيزلي وظهرت مؤشرات على تطور حقيقي في الجودة والقدرة على المنافسة.
الصدمة الكبرى
افتتح المنتخب الأمريكي البطولة بمباراة تاريخية ضد البرتغال، الفريق الذي كان يضم جيلاً ذهبياً من النجوم. تفوق الأمريكيون في واحدة من أعظم مفاجآت المونديال بفضل أداء جماعي متميز، سجل خلاله أهدافاً عبر ركنيات وتحركات خاطفة انتهت بنتيجة 3-2. كانت تلك المباراة محطة كشف عن طاقات جديدة وعلى رأسها دونوفان الذي منح الفريق زخماً مع تسجيله للمشاركة في الهدف العكسي.
تلتها مباريات المجموعة التي شهدت تعادلاً مع كوريا الجنوبية وهزيمة أمام بولندا، لينهي المنتخب الدور الثاني في المركز الثاني ويواجه خصماً إقليمياً تاريخياً في ثمن النهائي.
في مواجهة المكسيك دخلت الولايات المتحدة مباراة مكتوبة بتاريخ كبير، وفازوا 2-0 بفضل أهداف برايان ماكبرايد ولاندون دونوفان، لتحفر نتيجة “Dos a Cero” مكانتها الأسطورية في ذاكرة المنافسة بين المنتخبين وتمنح الأمريكيين ثقة ومصداقية دولية.
في ربع النهائي، اصطدم المنتخب بألمانيا القوية. شهدت المباراة لحظة مثيرة للجدل عندما ارتدت كرة سدّها الحارس أوليفر كان لتصطدم بذراع المدافع تورستن فرينجز على خط المرمى بوضوح. كان من الممكن أن تُحتسب ضربة جزاء وطرد، لكن الحكم لم يحتسب شيئاً، وانتهت المباراة بتقدم ألمانيا. بعد اللقاء قال بروس أرينا: “لقد كانت ضربة جزاء بنسبة 100%. أكره قول هذا، لكننا تعرّضنا للظلم.. كنا سنهزم ألمانيا ونتأهل إلى نصف النهائي”.
الإرث الباقي
بعد 23 عاماً لا يزال مونديال 2002 معياراً للحكم على تطور الكرة الأمريكية. لقد شكّلت تلك المسيرة دليلاً على أن المنتخب قادر على إزاحة عمالقة والقفز إلى مستوى المنافسة العالمية، وأنجزت تقديم مجموعة من اللاعبين الذين صاروا رموزاً في تاريخ المنتخب مثل لاندون دونوفان وديماركوس بيزلي وبرايان ماكبرايد وكلاوديو رينا وبراد فريدل.
كان فوز 2002 وتلك اللحظات — سواء الانتصارات المفاجئة أو الخروج المثير للجدل — وقوداً لنمو اللعبة داخل الولايات المتحدة ورفع سقف الطموحات. ومع اقتراب كأس العالم 2026 على الأراضي الأمريكية وتحديد مدرب المنتخب الحالي أهدافاً واضحة، يظل عام 2002 مرجعاً يُستلهَم منه السعي لتجاوز ما تحقق آنذاك.
في النهاية، تظل رسالة ذلك الصيف بسيطة: القدرة على التحدي والتقدّم لا تعتمد فقط على لحظات الحظ، بل على بناء مستدام وإيمان الجماعة والمواهب الشابة. وربما في 2026 تتحقق أحلام الجيل الجديد وتُكتب صفحة جديدة على نفس الدرب الذي بدأه جيل 2002.




